تغيير صفة آيا صوفيا

سيادة رجب طيّب إردوغان،
رئيس الجمهوريّة التركيّة
أنقرة – تركيّا
هانوڤر – 21 تموز 2020

تغيير صفة آيا صوفيا

السيّد الرئيس،
في 10 تموز 2020 أصدر مجلسُ الدولة التركي مرسوماً يقضي بحصر استعمال آيا صوفيا كمسجد، وليس لأيِّ غرضٍ آخر؛ وفي اليوم ذاتِه أصدرتَ مرسوماً رئاسيّاً تأمر فيه بفتح آيا صوفيا للصلاة للمسلمين، على أساس أن يبدأ مفعولُه في 24 تمّوز.
اليوم نتقدّم من مقامكم لنعبّرَ عن بالغِ اهتمامنا للانعكاسات الخطيرة التي ستتأتّى عن هذا التغيير في صفة آيا صوفيا. بسبب جدّية الموقف، سنرسل نسخة عن هذه الرسالة إلى مدير عام منظمة الثقافة والعلوم والحضارة التابعة للأمم المتّحدة (UNESCO)، وأمين عام مجلس الكنائس العالمي (WCC)، وقداسة البطريرك المسكوني بارثولوميو، الذين أبدوا استعدادَهم للمساهمة في التوصّل إلى حلٍّ بنّاء.
جنباً إلى جنب مع كلّي القداسة البطريرك المسكوني بارثولوميو نؤكّد أهمّية هذا الـمَعْلَمِ الفريد بالنسبة للمسيحيين وللمسلمين، إذ استخدمه المسيحيّون مكاناً لعبادة الله لمدّة 900 سنة، والمسلمون لمدّة 500 سنة. إساءة كبيرة ستحلُّ بمئات الملايين من المسيحيين إن هم شعروا بأن تراثهم الديني لم يعُد يُحتَرَم.
إن تاريخ المسيحيّة والإسلام الـمُشترَك هو قصّةُ تقاربٍ ومواجهة ــــ وآيا صوفيا تنتصب في وسطِهما: شكَّل البناءُ مصدرَ إلهامٍ، ومكاناً لانخراط الناس في التفاعل والحوار؛ وفي الوقت ذاته شكّل الـمَعْلَمُ دائماً فُسحةَ تنازعٍ، وسبباً للمواجهة والصراع. هذا التاريخ المزدوج لا بدّ أن يكون مشجِّعاً ومحذِّراً لكلّ من يحاول تغييرَ صفة الموقع.
كِلا المسيحيّة والإسلام يحملان وِزْرَ الإمبراطوريّة. فبالإضافة إلى قيمتِها الدينيّة والفنية الفائقة، رمزت آيا صوفيا إلى القوّة الإمبراطوريّة التي بسطت سلطانَها فوق قارّاتٍ بأكملها، وألزمتها بالخضوع الديني والحضاري، وباسم هذه الرمزيّة بُرِّرَت حروبٌ، واستُغِلَّت شعوبٌ، واضطُهدت أقلّيات.
نشعرُ بالقلق لأنّ تغييرَ صفة آيا صوفيا سيؤجِّجُ التوتراتِ الدينيّة. المواقع الدينيّة، في أماكن كثيرة في الشرق الأوسط وأبعد، متنازعٌ عليها؛ لذلك يستدعي السلامُ ترتيباتٍ مجديةً كفيلةً بمهايأةِ حاجات ورغبات كل الأفرقاء المرتبطين بموقعٍ محدَّد. نحن نشاهد بروزَ توتّراتٍ دينيّةٍ في كثير من البلدان، خصوصاً بين المسيحيين والمسلمين. في جميع هذه الأماكن نرى أن الفئات المستضعَفَة والمهمّشَة هم الذين يعانون أكثر.
تتبيّنُ الديانتان، المسيحيّةُ والإسلامُ، ذاتَيهما ديانتَي عدالةٍ وسلام. هذا اليقين المشترَك يُلزم ديانتَينا بالتلاقي في المساحة الـمُتاحَة من القيم الروحيّة والاجتماعيّة المشترَكة؛ ومعاً نحن مدعوون إلى تعزيز أسمى القيم التي تنشدُها ديانتانا.
لذا، نحضُّ سيادتَكم على مراجعة الإجراء الذي اتخذتموه بتغيير صفة آيا صوفيا، على ضوء هذه المبادئ المشترَكَة، والامتناع عن أيِّ إجراءٍ سيُسبِّب انقسامات:
• مع كلّي القداسة، البطريرك المسكوني بارثولوميو، نؤمن أنّ “آيا صوفيا هي من دون شكّ واحدة من أكثر المعالِم الكلاسيكيّة أهمّيةً بالنسبة للحضارة العالميّة الجامعة. ’كلاسيكيّة‘ بمعنى أنها تتخطّى حدودَ الشعوب والزمان اللذين شاداها، ومن حيث أنّها لا تخصُّ فقط مُتَمَلِّكيها، بل الإنسانيّةَ جمعاء”.
• نؤيّد حِرصَ اليونِسكو على أنّ المشاركةَ الفاعلة والشاملة والـمُحقّة من قِبل الجماعات المعنيّة وأصحابِ المصالح ضروريّةٌ للحفاظِ على هذا الإرث، وإبرازِ فرادَته وأهمّيتَه.
• نؤيّد مطالبةَ مجلس كنائس الشرق الأوسط بأنّ تتقرّر صفة آيا صوفيا في المستقبل في إطار قرينة مسيرةِ العيش المسيحي الإسلامي المشترَك كما عبّرت عنها “وثيقة الإخاء الإنساني من أجل سلامٍ عالمي وعَيشٍ مشترَك”، التي تحمل توقيع البابا فرنسيس وأحمد الطيّب، إمام الأزهر الأكبر، في شباط 2019.
• ندعو القادةَ السياسيين والدينيين إلى توسيع منظورهم أبْعدَ من مكانةِ الإرثِ الإمبراطوري، وتوجيهِ اهتمامِهم إلى قضايا العدالة والسلام. وحده المجتمع العابر للأديان قادرٌ على تحدّي التديُّن المتحجِّر الناكرِ لكرامة المستضعَفين والمهمَّشين وحرّيتِهم الدينيّة. لذا، يجدرُ بكل الناس ذوي النيّة الحسنة أن يتصدَّوا لإغراء استغلال الدين لأهدافٍ سياسيّة، ويعملوا للسلام والعدالة والمصالحة.
الشِركة العالميّة للكنائس المصلَحة هي جماعة مسيحيّة على مساحة العالم، تعيش دعوتَها للشِركة والتزامَها بالعدالة؛ تمثّل أكثر من مائة مليون مسيحي بروتستانتي في أكثر من 230 جسم كنسي، في أكثر من مائة دولة. تعملُ الشِركةُ العالميّة للكنائس المصلَحة، مع شركائها الذين يختارهم الله، لتغيير العالم بأسره، وتلتزم بالعدالة الاقتصاديّة والجندريّة والبيئيّة. أما نشاط الشِركة العالميّة للكنائس المصلَحة العابر للأديان فيسعى إلى التعاون بين أتباع الديانات المختلفة، الـمَبني على الثقة والاحترام والالتزام بالحياة ومواكبة الكنائس في ظروف النزاعات.
ندعو كنائسَنا الأعضاء إلى الانخراط، بروحيّة الالتزام والنقد الذاتي، في جَهدٍ محلّيٍّ وإقليميّ وعالميٍّ، لتحويل التوتّرات الدينيّة إلى عيش معاً بسلام. لذلك سنشاركَهم رسالتَنا هذه.
بكلّ احترام،

القس الدكتور كريس فيرغاسون-الأمين العام
الشِركة العالميّة للكنائس المصلَحة

Comments are closed.